٤ تجارب لتصميم تغذية راجعة يعمل بها الطالب

في سنتي الثانية كمعلم قرأت عن أنواع الاختبارات.

في ذلك الوقت لم أكن أعرف إلا الصورة النمطية:

إنشاء صفحة Word
كتابة عدة أسئلة من مجموعة دروس
ومن ثم اختبار وتصحيح ورصد مع بعض الكلمات التشجيعية

نتيجة هذه الطريقة النمطية أيضا نمطيا. قليل من الطلاب متميزون، وكثير منهم يكرهون فقرة الاختبارات؛ لأنهم يرونها كاشفة لضعفهم.

في نشرة هذا الأسبوع سأحكي لك عن ٤ تجارب ساعدتني في تغيير هذا الواقع. وسأبين لك خطوة بخطوة كيف صممت اختبارات قصيرة* جعلت طلابي ينظرون للاختبار كفرصة تعلم.

*لا أقصد بالاختبارات القصيرة تلك المقررة من قبل نظام التعليم التي تسمى باختبارات الفترة. بل هي اختبارات يصممها المعلم بهدف التعليم، سواء كانت مرتبطة بالدرجات أو لم تكن.

لماذا بدأت تجاربي؟

كنت أعتقد أن الاختبارات القصيرة هي فقط تلك التي تعطى للطالب عند نهاية الوحدة أو عند منتصف الفصل الدراسي. وكنت أعتقد أن هدفها هو إعطاء علامة للطالب لكي أعرف مستواه ولكي يعرف مستواه.

لكن هنالك مشكلة في هذا الاعتقاد يا صديقي.

أنا أمتلك خلفية علمية عميقة بالمادة تجعل معنى العلامة واضحا بالنسبة لي. وفي المقابل، يفتقر الطالب للأساسيات الكافية لتفسير معنى علامته وبالتالي لن يعرف مستوى نفسه.

عدم وضوح معنى العلامة كان هو الدافع الأول للخوض في تجاربي الأربع. الدافع الثاني جاء من فكرة قرأتها عن تأثير الاختبارات. تقول الفكرة أن تصحيح الاختبارات ليس له أي فائدة إذا لم ينمي فهم الطالب.

وبالتالي أصبح هدفي هو تصميم اختبار قصير يوضح للطلاب مدى معرفتهم ويرشدهم لتنمية هذه المعرفة.

التجربة ١: اختبار مهارة محددة

أول صعوبة واجهتها مع النموذج النمطي للاختبار القصير هو كثرة الأسئلة.

كثرة الأسئلة تعني كثرة الأفكار المختلفة
كثرة الأفكار تعني كثرة الأخطاء المختلفة
كثرة الأخطاء تعني زيادة التغذية الراجعة

وأنت تعرف، إعطاء تغذية راجعة والتحقق من إتباع هذه التغذية أمر مجهد.

لذلك أول تغيير قمت به هو تقليل عدد الأسئلة. قررت أن اختبر مهارة واحدة فقط. بالإضافة، وجدت طريقة لتنظيم الأسئلة لكي أسرع عملية التغذية الراجعة.

مبدأ هذه الطريقة هو التدرج في الصعوبة:

بسيط > متوسط > صعب

مثال: اختبار قصير عن حل المعادلات الخطية

بسيط: x + 3 = 5
متوسط: x + 3 = -5
صعب: x + 3 = -5.1

لاحظ أن تدرج الأسئلة مصمم بشكل استراتيجي، بحيث اتقان المتسوى الصعب يدل على اتقان ما قبله، والفشل في المستوى البسيط غالبا ما يدل على الفشل فيما بعد.

بهذه الطريقة صرت أكتفي بكتابة تغذية راجعة واحدة لكل طالب.

كيف؟

لنفرض أن الطالب أتقن حل السؤال البسيط، لكنه فشل في حل المتوسط. هذا يعني أن الطالب يعرف الفكرة الأساسية في حل المعادلات، لكنه يتعثر عند التعامل مع الأعداد الصحيحة. في هذه الحالة ستكون التغذية الراجعة عن الأعداد الصحيحة.

الفائدة المستخلصة: اختبار مهارة واحدة يسهل تقديم تغذية راجعة

لكن للأسف، لم تنجح هذه التجربة بسبب انشغال الطالب بالعلامة أكثر من اهتمامه بالتغذية الراجعة.

دفعني هذا للتجربة الثانية.

التجربة ٢: اختبار بدون درجات

قبل شهر تقريبا، كنت أحادث أبي عن اختبار نافس (وهو اختبار تقييمي موحد يجرى على مستوى المملكة العربية السعودية).

هكذا بدأتُ المحادثة:

”كيف الطلاب مع نافس؟“
”وش تقصد؟“
”يعني كيف مستواهم“
”متوسط درجات طلابنا ٢٥“
”بل! يعني الطالب يحل بشكل عشوائي“
”ايه … الاختبار ما عليه درجات، فالطالب ما بيهتم“

هذه حقيقة عشتها مرات كثيرة في بداياتي كمعلم. كنت أطمح لتحفيز طلابي بالعلم والتعلم فقط، بدون نظام للدرجات. لكني فشلت.

طلابي مبرمجين على عقلية الاختبار—السعي وراء الدرجات فقط.

اختبارات بدون درجات كانت بمثابة اجازة سعيدة.

الفائدة المستخلصة: الدرجات تحدد مصير الطلاب. بدونها، سيحدد الطلاب مصيرهم بذاتهم، وسيختارون الراحة.

لكن إذا كانت الدرجات موجودة، سينشغل الطلاب بها عن التغذية الرجعة.

ما الحل؟

هنا جاءت التجربة الثالثة.

التجربة ٣: أوراق بدون درجات

قررت عدم كتابة الدرجات على الورق، والاكتفاء بكتابتها على جهازي الشخصي.

لماذا؟

لأن أول ما ينظر له الطالب عند استلام ورقته المصححة هو علامته. ثاني ما ينظر له هو علامة زميله. وبعدها يبدأ بتحديد مكانته في الهرم الدرجاتي، فإذا كانت مكانته مرضيه يتراخى، أما إذا لم تكن، فقد يشعر باليأس أو الغيرة. قلة من تدفعهم المقارنة للتعلم.

ماذا سيحدث عندما تخفي الدرجات؟

سيغمرك طلابك بالأسئلة عن درجاتهم. 

كلما عليك فعله هو إخبارهم أن مستواهم موجود أمام أعينهم. أخبرهم أنه إذا اتقنوا المستوى البسيط، فمستواهم هو المستوى البسيط! وإذا اتقنوا المستوى المتوسط، فمستواهم هو المتوسط، وهكذا.

وهنا سيسألك الطلاب ”ماذا يعني المستوى البسيط“ أو ”هل البسيط يعني مستوى جيد“

في رأيي، كل هذه الأسئلة هي برمجة عقلية الاختبار. كلها محاولات لمعرفة مكانتهم في الهرم الدرجاتي. لذلك تفادى استخدام المصطلحات مثل ممتاز وجيد جدا، أو استخدام درجات ١٠ من ١٠ و ٩ من ١٠.

الخبر السار هو أن هذه الأسئلة تتوقف بعد تطبيق فكرة الاختبار القصير عدة مرات. فعليك بالصبر وإرشاد الطلاب لمراجعة أخطائهم ومحاولة اتقان مستويات أصعب بدلا من الانشغال بالدرجات.

الفائدة المستخلصة: بعد مدة من كتابة التغذية الراجعة على الورق دون الدرجة، سيبدأ الطلاب التعلم من أخطائهم.

لكن هنا يأتي سؤال الطالب الذكي: لماذا اتعلم من أخطائي إذا لم تتغير درجتي؟

التجربة ٤: الاختبار القصير أكثر من محاولة

لنفرض أن طالبا تعلم من خطئه في الامتحان، أي أنه قادر على اثبات مهارته الآن وفي الغد وفي الاسابيع القادمة. هل هنالك ما يمنع من تعديل درجة الطالب؟ وهل تحصيل درجة الاختبار مرتبطة بتاريخ معين لكي لا نقوم بتغييرها؟

في كثير من الاختبارات الرسمية، نعم. تتطلب طبيعة هذه الاختبار الدقة، ولا تسمح بالتغيير.

لكن في الاختبار القصير، أنت تملك الحرية. بإمكانك إعادة الاختبار. وفي هذا تناغم كبير مع كل ما كنا نبنيه حتى الآن.

أنت تريد أن يهتم الطالب بالتغذية الراجعة، واثبات ذلك في محاولة الاختبار الثانية هو أكبر دليل على اتباع التغذية الراجعة.

الفائدة المستخلصة: ستثبت المحاولة الثاني لطلابك أن الاختبار ليس نهاية الطريق، وأن التعلم بعد الاختبار قيمٌ.

تحذير من واقع التجربة ٤: في البداية سيفهم طلابك أن إعادة الاختبار هو بسبب اهتمامك لدرجاتهم. أخبرهم أن هذا صحيح، لكن بين لهم أن السبب الأهم هو التعلم من الأخطاء. 

تحذير أخر: ربما يعتقد بعض طلابك أن السماح بالمحاولة مرة تعني السماح ألف مرة. عالج هذه الفكرة بوضع حد واضح. محاولتان فقط.

الختام

توعية الطالب لكي يهتم بالتغذية الراجعة ليس بالأمر السهل، لأنك تحارب أجيالا من العادات الدراسية، عادات تدور حول الاهتمام بالدرجة فقط. إحداث هذا التغيير لن يحدث في معركة يوم وليلة، وإنما يحقَّق من خلال توعية مستمرة طوال السنة الدراسية.

شاركتك تجاربي وبعضا من التغيرات الجميلة التي ظهرت على طلابي. لكن الجمال الحقيقي هو التغييرات التي حدثت في نظرتي وفلسفتي في التعليم. لذلك أتمنى أن تساعدك هذه النشرة في إنشاء تجاربك الصفية وبناء فلسفتك التعليمية

ألقاك الأسبوع القادم

متى ما أردت، أستطيع مساعدتك من خلال:

١) منهج المعلم: انضمـ/ـي لأكثر من ٦٠ معلمـ/ـة في دورتي لتدريس الرياضيات. تعلمـ/ـي مهارات لرفع دافعية الطلاب وزيادة تعلمهم، واكتسب استراتيجيات لضبط الصف وقياس الفهم

٢) استشارة سريعة (مجانا): تواصلـ/ـي معي بطرح سؤال عن التعلم والتعليم