كيف تضبط الصف بالاحترام (لا بالشدة)

شكرا لك تخصيصك بعض الدقائق من وقتك لقراءة موضوع الأسبوع.

قليل هم الناس في زمننا المتسارع الذين يستثمرون وقتهم في النمو والتطور.

أنت من هؤلاء القلة، وإنه لمن دواعي سروري أن أساعدك…

لأنه بعد قراءتك لموضوع اليوم، ستكون في طريقك لتفادي الكثير من المشاكل التي يقع فيها المعلمون والمعلمات الذين يعملون بشغف ثم يصابون بالإحباط لعجزهم أمام مشكلة ضبط الصف.

وبالطبع، المشكلة ليست ضعفاً في شخصياتهم، ولا في تدريسهم ولا في تحفيزهم الطلاب.

للأسف، سبب المشكلة هو أنه لم يخبرهم أحد بحقيقة جوهرية في التعليم، حقيقة تساعدهم في المحافظة على شغفهم والتميز في عملهم—والأهم من هذا كله— في جني ثمار تعبهم.

لن تكون أنت ممن يصاب بالإحباط—بإذن الله.

هدفي هو مساعدتك لتجد طريق النجاح، وذلك سهل عندما تكون معلما قائدا متمسكا بفكرة عادة ما يساء فهمها: قوانين الصف.

لماذا تفشل قوانين كثير من المعلمين؟

أتعرف ما الذي يتعب المعلمين؟ يتعبهم يتعبهم؟

الإرهاق النفسي الناتج من تعاملهم مع الطلاب.

ليس تعب الكلام، ولا تعب الحركة، ولا تعب التخطيط والتصحيح، بل التعب الذي ينتج من رؤية التصرفات الفوضوية تتكرر رغم المحاولات العديدة للحد منها.

”كن شخصية محبوبة، وسيستمع لك طلابك“
”اجعل الحصة ممتعة وسينضبط طلابك“
”اشرح الدرس بوضوح، وسيهتم طلابك“

وغيرها من النصائح التي يتفانى المعلمون في تطبيقها، لكنها للأسف تعالج الأعراض لا الجذور.

ومفعول علاج الأعراض مؤقت، لذلك ترجع التصرفات الفوضوية من جديد لتستنزف طاقة المعلم.

ما سبب استمرار فوضى الطلاب؟

يواجه المعلمون هذا التحدي باستمرار بسبب عدم تصورهم لحقيقة القوانين الصفية، أي لأنهم يحاولون ضبط الصف بناء على تصور ناقص.

في البداية دعنا نستعرض بعضاً من هذه التصورات.

يتبادر إلى ذهن البعض عند سماع كلمة قوانين الصف تصور عن الشدة والعقوبة، وفي الواقع هناك من يمارس هذا التصور. لكن المعنى الذي سأطرحه لك، والذي سيجعلك معلماً قائداً قدوة لطلابك، مختلف.

الشدة بعيدة كل البعد عن هذا المعنى. العقوبة هو عنصر واحد من قوانين الصف (المزيد عن هذه الفكرة فيما بعد).

 أيضا يتبادر إلى الذهن الأسبوع الأول من الدراسة، حيث يشرح المعلمون قوانين المدرسة وضوابط الحصة. هذا الشرح مهم، لكنه لا يمثل إلا جزءاً من قوانين الصف.

ما هي إذن حقيقة قوانين الصف؟

ماذا يتبادر إلى ذهنك؟

هل أنت مستعد لمعرفة الحقيقة؟

تفضل 👇🏻

حقيقة قوانين الصف هي أنت.

أقوالك وأفعالك طيلة الترم الدراسي، لأنك أنت المرجع والقدوة والقائد لطلابك داخل الصف.

الطلاب لا يراجعون قوائم القوانين ونادراً ما يحفظون تلك القوائم، لكنهم يراقبون معلميهم باستمرار.

بالنسبة لهم، الممنوع هو ما يمنعه المعلم ويتصدى له وليس الممنوع هو ما يقول المعلم أنه ممنوع. بالنسبة لهم، الواجب هو ما يفرضه المعلم ويتتبع أثره. بالنسبة لهم، المباح هو ما يتغاضى عنه المعلم، حتى وإن قال عنه أنه ممنوع.

هل بدأت تصلك الفكرة؟

إليك مثال من أرض الواقع.

أخبر الأستاذ طلابه أن الانتباه في الحصة مهم، لكنه لا يحاسب من لا ينتبه أثناء الشرح. وبالتالي، بالنسبة للطلاب، الانتباه أمر اختياري وليس إلزامي. (القانون مجرد كلام).

قارن هذا التصرف مع السيناريو التالي:

لاحظ معلم الرياضيات أثناء شرحه انشغال أحد الطلاب بالرسم، ومباشرة أعطى تنبيهاً للجميع ”جميع الأعين على السبورة، شكراً“. بعد هذا التنبيه، قام بتوزيع النظرات على جميع الطلاب ليتأكد من التزام الجميع بالأمر.

هذا الفعل من إعطاء التنبيه والمراقبة يوصل رسالة للطلاب وهي أن قانون الانتباه حقيقي وليس مجرد كلمات.

ما أريدك أن تأخذ من المثال السابق هو أن طلابك يراقبونك في كل المواقف، وبالنسبة لهم القوانين هي ما تصنعه أنت في هذه المواقف وليس في الكلام الذي تقوله بداية السنة.

هذا الواقع يضع المعلمين تحت ضغط كبير، وتحدٍ أكبر.

كيف نتعامل مع هذه المواقف لنعكس قانوناً يحد من فوضى الصف؟

هنا يأتي دور المهارات، ولا أقصد بذلك المواهب. وإنما الآليات التي يستطيع اكتسابها أي معلم والتي تساعده على ضبط الصف.

الوقاية خير من العلاج

يقول المدرب Tom Bonnet في كتابه Running the Room أن أكبر مسبب للفوضى الصفية هو الإعتماد على أسلوب العلاج بدلا من الوقاية.

أي أن المعلمين يدخلون الصفوف على أمل أن لا تحدث فوضى…

لكن عادة تقع الفوضى ويضطر المعلمون لعلاجها.

لن تكون أنت مثل هؤلاء المعلمين، لأنني سأبين لك الآليات التي تقي بها نفسك (وترتقي بها مع طلابك).

قلنا أن المعلم هو قانون الصف.

الآن تصور كل فقرات درسك من البداية إلى النهاية.

فقرة الترحيب بالطلاب، فقرة التحضير، فقرة التمهيد، فقرة الشرح، فقرة الأسئلة، فقرة التلخيص والختام.

مهما كانت فقرات درسك. أريدك أن تفكر فيما تريد أن تفعله أنت خلال كل فقرة وفي نفس الوقت تصور طلابك. تأمل في الحال الذي تريدهم أن يكونوا عليه.

مثال: عندما تبدأ تحضير الأسماء، كيف هو الحال الذي تريد أن يكون عليه طلابك؟ هل تتخيل صمت؟ هل تتوقع منهم قول كلمة ”حاضر“ ورفع اليد؟ أو من دون رفع اليد؟

مثال آخر: أثناء طرحك للأسئلة، كيف تتصور حال الطلاب؟ تفكير بصمت مع رفع الأيدي؟ تسابق بحيث يجيب أسرع طالب؟ تناقش في مجموعات؟

هذه التصورات هي توقعاتك من طلابك. وتوقعاتك هي قوانينك.

”أن ينتبه الطالب للشرح“ ليس قانوناً حقيقاً. القانون الحقيقي هو تصورك لفقرة الشرح، وكيفية الانتباه.

الآن، الجانب العملي لآلية ”الوقاية خير من العلاج“ هو أن تتأمل في تدريسك لتتعرف أكثر على قوانينك.

والجميل في هذه العملية هو أنها تطور مستمر.

كلما زادت خبرتك واتضحت لك التفاصيل في أساليب التدريس، تعرفت أكثر على توقعاتك، فتزداد قوانينك رصانة.

البعض قد يستشكل هنا…

ألن تنتج هذه الطريقة قوانين كثيرة، كثرتها ترهق الطلاب؟

القوانين كثيرة نعم، لكننا لسنا مضطرين لشرحها كلها في يوم واحد…

وهذا يأخذنا لآلية الثانية التي ستساعدك على ضبط الصف.

تعلم القوانين = تدرب على القوانين

لو سألنا، كيف نعلم الطلاب نظرية فيثاغورس؟

لن يختلف اثنان في أن العملية تتطلب شرحاً ثم تدريباً، والتدريب يتطلب تصحيحاً أو ما نسميه عادة تغذية راجعة.

تعلم القوانين مشابه لتعلم نظرية فيثاغورس.

قلنا أن القوانين هي توقعاتنا، وتوقعاتنا تعيش داخل رؤوسنا، وبالتالي لن يعرفها الطلاب إلا إذا شرحناها. ولن يعرفها الطلاب بالتصور الموجود عندنا إلا إذا دربناهم وصححنا أخطاءهم.

مثال: لنفرض أنك تريد من طلابك حل أسئلة اللغة الإنجليزية على انفراد. بالطبع ستخبر طلابك قبل البدء في الفقرة أنك تريد منهم العمل بشكل فردي. الآن ماذا لو طلب أحد من زميله أن يترجم له السؤال. هل ترجمة السؤال تعتبر خرق لقانون ”العمل على انفراد“.

لنفرض أن الإجابة نعم—لأنك لا تريد فتح المجال للحديث وقت العمل الفردي. هنا يجب عليك أن تبين هذا الشيء للطلاب.

”شباب، إذا لم تفهم السؤال، ارفع يدك وابقى على صمت“

بهذه الطريقة أنت بينت قانون ”العمل على انفراد“

الآن لو خالف أحد هذا القانون، وطبيعي أن يحصل هذا في البدايات، دورك هو أن تصحح هذا التصرف. ولا تتهاون في التصحيح.

تذكر، طلابنا يراقبوننا باستمرار.

في نظرهم، سماحك لهم بخرق القانون يعني أن القانون ليس قانوناً.

الآن ماذا بعد الشرح والتدريب، ماذا لو خالف أحد القانون؟

ثلاثية المحافظة على القوانين

من أمن العقوبة ساء الأدب.

لاحظ أننا لحد الآن لم نتكلم عن الشدة والعقاب، بل بينا أن ضبط الصف هو كون المعلم قائداً قدوة لطلابه يعرف توقعاته ويشرحها ويدرب طلابه عليها.

في الحقيقة، فكرة الشدة هو سوء فهم.

المطلوب هو الحزم، لا الشدة.

المعلم الحازم هو الحكيم في قراراته، الواضح في أفعاله، والذي لا يتخذ العقوبة كغاية لصب الغضب بل كوسيلة للحفاظ على القوانين.

قد تشعرك فكرة العقوبة بالقسوة، لكن نظرتك ستتغير لو تعرفت على أدوات المعلم الحازم.

وهذا ما سأريك إياه الآن.

ثلاثية المحافظة على القوانين: التعزيز، التصحيح، العقاب.

التعزيز يعني أن تلاحظ طلابك أو أحد من طلابك ملتزماً بقانون فتشكره على هذا الالتزام. مثال: أثناء فقرة الحل الفردي، لاحظت أن الجميع منشغل في الحل بصمت فقلت لهم ”شكراً لاهتمامكم بالتعلم ولحرصكم على قانون العمل الفردي“.

التصحيح يعني أن تعدل من سلوك أحد الطلاب دون توجيه الأضواء تجاهه. أي أنك تحاول إخفاء عملية التصحيح حفظاً لكرامته ولكي لا تشتت زملاءه. مثال: عندما لاحظ معلم الرياضيات انشغال أحد الطلاب بالرسم، لم يناديه بالاسم بل ذكر الجميع بأهمية الانتباه للسبورة.

العقاب هو خط الدفاع بعد فشل محاولات التصحيح. وللعقاب فنيات مثل ربط العقوبة بالفعل لا بالشخص (”فلان يخصم منك درجة لأنك تشتت زملاءك بالكلام“ بدلا من ”فلان يخصم منك درجة لأنك ثرثار“). وأيضا من فنيات العقاب هي أن يتم توجيه المعاقب للفعل الصحيح (فلان يخصم منك درجة لأنك تشتت زملاءك بالكلام. أتوقع منك الانصات أثناء الشرح وأنا متأكد بأنك تستطيع فعل ذلك).

هذه هي ثلاثية المحافظة على قوانين الصف.

الخلاصة

إليك قائمة من أهم النقاط للنجاح في ضبط الصف

١) قوانين الصف ليست مجرد قائمة تشرح في اليوم، قوانين الصف هي ما تتوقعه من طلابك—في كل فقرات الدرس.

٢) طلابك لا يعرفون حقيقة توقعاتك، اشرحها لهم ودربهم عليها باستمرار.

٣) التعزيز والثناء من أقوى أدوات الحفاظ على القوانين، والتصحيح والعقاب يوجهان سلوك الطالب إلى ما هو متوقع منه.

إذا كنت جاداً بشأن تعلم ضبط الصف، ابدأ بالتعرف على توقعاتك. ثم ابدأ التخطيط لشرح هذه التوقعات وتدريب طلابك.

وإذا استمتعت بدرس اليوم في ضبط الصف، ستعجبك دورتي ”منهج المعلم“. موضوع اليوم هو أفكار بسيطة منتقاة من قرابة الـ٣ ساعات اشرح فيها فنيات تدريس مادة الرياضيات. إذا كنت جاداً بشأن احتراف التدريس، اشجعك للانضمام للدورة. فيها سأقدم لك خريطة تسرع من اكتسابك خبرات التدريس في:

• أساليب تبسيط الرياضيات
• مهارات دفع الطلاب للتفاعل
• دروس في التحفيز
• فنيات ضبط الصف
• أدوات لقياس الفهم

أراك الأسبوع القادم

متى ما أردت، أستطيع مساعدتك من خلال:

١) منهج المعلم: انضمـ/ـي لأكثر من ٦٠ معلمـ/ـة في دورتي لتدريس الرياضيات. تعلمـ/ـي مهارات لرفع دافعية الطلاب وزيادة تعلمهم، واكتسب استراتيجيات لضبط الصف وقياس الفهم

٢) استشارة سريعة (مجانا): تواصلـ/ـي معي بطرح سؤال عن التعلم والتعليم